الأربعاء، 10 فبراير 2010




وعاش اكثر مما عاش جلاده

بهذه الكلمات التى ختم بها الراحل المبدع مصطفى العقاد فيلمه العالمى الشهير" عمرالمختار" الذى سطر به تاريخ شخصية عظيمة ومجاهد فذ من أبناء امتنا العربية والإسلامية الذى بذل ماله ووقته وجهده ليدافع عن كرامة بلاده ويضرب مثلا ونموذجا فريدا حتى لقى ربه شهيدا على ايدى الايطاليين مسجلا بذلك ملحمة رائعة فى تاريخ الصراع بين الحق والباطل فعاش عمر المختار اكثر مما عاش جلاده .


وبهذه الكلمات نفسها أبدا حديثى عن مجاهد آخر ورمز من رموز الكفاح والنضال وهذه المرة فى مصرنا الحبيبة ليمثل حلقة فى سلسة عظيمة من المجاهدين والثوار الذين بذلوا حياتهم كريمة وضحوا بها عزيزة فى سبيل أوطانهم وبلادهم انه الشيخ الجليل النبيل المجاهد "حسن البنا " الذى بحق لم يعش لنفسه قط ولا لأولاده ولا لأسرته وعاش فى ضمير كل عربى حر أبى أكثر مما عاش جلاده من الانجليز الذين أمروا بقتله أو من الملك وحاشيته الذين باعوه وقتلوه .
وإذا أردت أن تعرف اكثر عن الإمام البنا فلتقرأ كتاب" الرسائل" او" مذكرات الدعوة والداعية " وكتاب "الاخوان المسلمون احداث صنعت التاريخ " أو تلقى احدا ممن عاصروه لتتعرف على هذه الشخصية التى فاجأت العالم وجاءت فى ظروف كانت الامة مغيبة فى ضميرها ومشاعرها بعيدة عن دينها ، حتى الخلافة الاسلامية ذلك المارد الرمز الذى اصبح ضعيفا هزيلا ليس له حول ولا قوة بعد ان قضى عليه " كمال اتاتورك "عام 1924 م فاسقطه وبدل مظاهره الإسلامية الباقية الى علمانية طاغية فلا اسلام ولا مسلمين ولا اسماء ولا حجاب ، ولا اذان ولا صلاة ولا صيام ، فجاء الامام البنا فى تلك الظروف شخصية عجيبة اختارها الله عزوجل وهيئتها الظروف والاقدار ليحمل هم الامة كلها ، فيربى نفسه ويضع امامه حلما كبيرا لانقاذ الامة بأسرها ويتعلم من كل شيئ فيحفظ كتاب الله وصحيح الأحاديث ، ويقرا فى الشعر والادب والفقه والنحو والبلاغة ، ويحفظ ألفية بن مالك ، والياقوتية فى المصطلح، ومتن القرورى فى فقة ابى حنيفة , ومتن الغاية والتقريب لابى شجاع فى فقه الشافعية , وكان يدرس وهو فى الرابعة عشر من عمره كتاب الاحياء لابى حامد الغزالى وكان يقول عن نفسه : " لست أنسى ابدا توجيه ابى لى بالعبارة المأثورة من حفظ المتون حاز الفنون "والأهم من ذلك انه يجيد فى كل شيئ حتى احبه مدرسوه ومعلموه ومشايخه فقال عنه احدهم بعد ان اجاب على سؤال له :
حسن اجاب وفى الجواب اجادا
فالله يمنحه هـــدى ورشــــــــادا

فبفضل الله وهذا الدعاء منحه الله حقا هدى ورشادا هدى فى البصر ورشادا فى البصيرة ، وفى ظل الظروف العصيبة الت كانت تمر بها مصر والبلدان العربية والاسلامية غامر الامام البنا وبدا يضع لنفسه هدفا ومنهجا يجوب المقاهى والحانات ، يطوف الشوارع والطرقات ، يغشى المجالس والجلسات ، يخطب ويشرح ويعلم ويربى حتى تكونت له نواة بمدينة الاسماعيلية قوامها ست رجال بدءوا ينتشرون فى القطر المصرى كله وزاد العدد واصبحت جماعة سميت جماعة " الاخوان المسلمين " تلك الجماعة التى بهرت الناس جميعا فى اخلاق وسلوك افرادها كلهم حب وتعاون وايثار, كلهم ثقافة وعلم وتواضع , حياتهم كلها لله ليلهم ونهارهم ليس لديهم هدف واحد الا اقامة شرع الله , ولما أحس الغرب وعلى رأسهم الانجليز وكذلك الشرق وعلى رأسهم الملك الفاسد وأعوانه لما أحسوا بالخطر الذى يمثله حسن البنا وجماعته خططوا للتخلص منهم جميعا فاعتقل اغلب الاخوان وبقى البنا خارج السجن وحيدا حت اغتالته الايدى الآثمة فى 12/2/1949 م وهو خارج من مبنى الشبان المسلمين حتى فاضت روحه الكريمة الزكية الطاهرة ولقى ربه شهيدا .
وظلت الحرب على الاخوان قبل عهد الثورة وبعدها , فى عهد البنا وبعد وفاته فاعتقلت الثورة اعداد كبيرة منهم واودعتهم السجون وجاء عام 1954 ليشهد المحنة الاولى للاخوان وتقتل حكومة الثورة ستة من افاضل الاخوان وتتبعها المحنة الثانية ويستشهد عدد اخر من الاخوان وعلى راسهم الشهيد سيد قطب ويستمر الصراع بين الاخوان والحكومات الثورية المتعاقبة فى مصر وحتى وقتنا الحالى .
واعتقد ان الايام ستمر وستمضى والتاريخ لن ينسى هذه الشخصيات فلا يزال يذكر وبكل فخر الامام البنا ورفاقه اللذين استشهدوا كامثال الشيخ فرغلى والاستاذ عبد القادر عودة ويوسف طلعت وسيد قطب وغيرهم الكثير اللذين اعتقلوا سنوات طويلة كامثال الهضيبى ومشهور وعاكف فى سجون الظالمين والجلادين والقائمة طويلة .
اقول أن التاريخ سيظل يذكر هذه العصبة المؤمنة منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا وفى المقابل اين الطغاة ؟ واين الجلادون ؟ واين الظالمون ؟ واين ظلمهم واين ملكهم او جاههم او قصورهم او حاشيتهم او جنودهم ؟ لا احد يذكر من قتل البنا او سيد قطب , لا احد يعرف من هم او اين هم ؟ ولكن هل نفعهم ظلمهم او اطال اعمارهم او ملكهم ؟ او بقيت لهم الكراسى والاموال والاولاد ؟
ولكن بقى البنا ليس وحده بل هو وجماعته ملا السمع والبصر ولسنوات قربت على تسعون عاما وانتشرت فى اكثرمن ثمانين دولة بقى البنا واتباعه فى ضمير مصر والمصريين وفى ذاكرة التاريخ اكثر مما عاش جلاديهم من الانجليز او الملك واعوانه او حكومة الثورة ومن جاء بعدها .

لك يا إمامي يا أعز معلم يا حامل المصباح في الزمن العمي


يا مرشد الدنيا لنهج محمد يا نفحة من جيل دار الأرقم


حسبوك مت وأنت حي خالد ما مات غير المستبد المجرم


حسبوك مت وأنت فينا شاهد نجلو بنهجك كل درب معتم


شيَّدت للإسلام صرحًا لم تكن لبناته غير الشباب المسلم


وكتبت للدنيا وثيقة صحوة وأبيت إلا أن تُوقَّع بالدم